تمنى من أعماقه أن يكون عازفا يعانق قيتاره
تحت سنديانة يغازل أوتاره بلحن باكي.. حزين،،
أو رساما لا تزور ريشته سوى بقعة اللون الأسود،،
و لكنه اكتشف أنه لا يستطيع أن يكون سوى رجل
حبيس عواطفه في زنزانة صاقعة جدرانها..
انسان حطمته الأقدار،، عاشق سرقت منه ابتسامته..
لا تزال صورتها عالقة بدهنه،، يسترجع شريط الذكرى
تتوسط مركز ذاكرته صورتهما قرب الساقية
يتبادلان أحاديث العشق و الوله الملائكي
تشهد الماء الصافي الرقراق المنساب في جداوله
يتعادى على دوبان نفسها فيه،، عن عشقها الخرافي
لقلبه الذي كان يخفق في تسارع جنوني..
ترتسم على شفاهه القرمزية الجافة
ابتسامة هادئة و هو يقلب صفحات الذكرى..
كانت تفرك شعره الفاحم بأناملها الرقيقة
تضم رأسه إلى صدرها لتمنحه دفئا يذيب
جمود الكلمات بين شفتيه،، تلثم جبهته بقبلات
عابد يكتشف لأول مرة معبوده..
في كل مرة كان يحس ببعث جديد لحياته
الخريفية الذبلة حتى غرق في يم عشقها بعيد الشطآن
كانت الدموع قد احتلت مقلتاه المتورمتين
و تجمعت في برك ما فتئت تتساقط من مآقيه زخات..
زخات تبلل شواربه و لحيته التي صار شعرها الأشعت
يخنق أنفاسه الملتهبة،، يتذكر حين جاءت أمه
تزف اليه خبرا حسبت أنه سيفرحه حين قالت
- ولدي لقد نال مني الكبر ،، و هاهي خصلات
شعري يغزوها الشيب،، و ما عدت أطيق عمل البيت
بعد زواج آخر أخواتك.. ابتسم و تركها تردف قائلة :
و اني اخترت لك ابنة خالك...
لم يسمع شيئا بعد ذلك لأن الصدمة
كانت عنيفة على قلبه الذي ما صدق أن وجد
من يشعره بالحنان و الدفء..
توسل لأمه أن توقف هذه الجريمة في وحيدة أخيها،،
تلك الصغيرة التي لم تتجاوز الثامنة عشر ربيع من عمرها..
أيعقل أن يشارك في تحطيم حلمها في حياة سعيدة
تاجها الحب و الاخلاص
لكنها رفضت توسلاته،، و أقسمت أن تتبرأ
من أمومته إذا خرج عن طوعها،،
و رفض ابنة أخيها الموعودة له منذ الصغر..
لجا إلى حبيبة قلبه الملتاع يشكو لها ألمه،،
مصيبته التي ألبستها له الأقدار
و نواميس مجتمعه الجليدية..
ولأول مرة يتجاهل كبرياءه أمامها
احتضنته برقة بالغة،، طوقته بدراعيها
و ضمته إلى صدرها
و علت شهقاتها التي كانت تشق السماء
و أوقفت الطيور عن الانشاد،،
بل وجعلتها تتسمر على أفنانها دهر صمت حزنا
على روح الحب الذي يحتضر
تحت حبال التقاليد المتزمتة..
تمرغ وجهها الباكي في شعره الذي بللته دموعها،،
و انطلقت من صدرها صرخة أنثى مكلومة..
جمع شتات قوته و راح يجفف دمع
حبيبته حتى خمدت شهقاتها،،
حاولت النطق فغلبتها الدموع على أمرها
فعادت ثانية تنتحب،، عز عليه أن تخبره
بالحقيقة المرة التي آلت اليها علاقتهما
و فد اشبعها أخوها ضربا كي تقبل الزواج من رجل
لا تعرف عنه سوى أنه يملك كم سيارة
و كم شقة و ربما كم امرأة